من قال إنّ النفط أغلى من دمي؟! |
ما دام يحكمنا الجنون.. |
سنرى كلاب الصيد |
تلتهم الأجنة في البطون |
سنرى حقول القمح ألغاماً |
ونور الصبح ناراً في العيون |
سنرى الصغار على المشانق |
في صلاة الفجر جهراً يصلبون |
ونرى على رأس الزمان |
عويل خنزير قبيح الوجه |
يقتحم المساجد والكنائس والحصون |
وحين يحكمنا الجنون |
لا زهرة بيضاء تشرق |
فوق أشلاء الغصون |
لا فرحة في عين طفل |
نام في صدر حنون |
لا دين..لا إيمان..لا حق |
ولا عرض مصون |
وتهون أقدار الشعوب |
وكل شيء قد يهون |
ما دام يحكمنا الجنون |
أطفال بغداد الحزينة يسألون .. |
عن أيّ ذنب يقتلون |
يترنحون على شظايا الجوع .. |
يقتسمون خبز الموت.. |
ثمّ يودعون |
شبح الهنود الحمر يظهر في صقيع بلادنا |
ويصيح فيها الطامعون.. |
من كلّ جنس يزحفون |
تبدو شوارعنا بلون الدم تبدو قلوب الناس أشباحاً |
ويغدو الحلم طيفاً عاجزاً |
بين المهانة..والظنون |
هذي كلاب الصيد فوق رؤوسنا تعوي |
ونحن إلى المهالك..مسرعون.. |
أطفال بغداد الحزينة في الشوارع يصرخون |
جيش التتار..يدق أبواب المدينة كالوباء.. |
ويزحف الطاعون |
أحفاد هولاكو على جثث الصغار يزمجرون |
صراخ الناس يقتحم السكون |
أنهار دم فوق أجنحة الطيور الجارحات.. |
مخالب سوداء تنفذ في العيون |
ما زال دجلة يذكر الأيام.. |
والماضي البعيد يطلّ من خلف القرون |
عبر الغزاة هنا كثيرا..ثم راحوا.. |
أين راح العابرون؟؟ |
هذي مدينتنا..وكم باغ أتى.. |
ذهب الجميع |
ونحن فيها صامدون |
سيموت هولاكو |
ويعود أطفال العراق |
أمام دجلة يرقصون |
لسنا الهنود الحمر.. |
حتى تنصبوا فينا المشانق |
في كل شبر من ثرى بغداد |
نهر..أو نخيل..أو حدائق |
وإذا أردتم سوف نجعلها بنادق |
سنحارب الطاغوت فوق الأرض.. |
بين الماء..في صمت الخنادق |
إنا كرهنا الموت..لكن.. |
في سبيل الله نشعلها حرائق |
ستظلّ في كل العصور وإن كرهتم |
أمة الإسلام من خير الخلائق |
أطفال بغداد الحزينة.. |
يرفعون الآن رايات الغضب |
بغداد في أيدي الجبابرة الكبار.. |
تضيع منّا..تغتصب |
أين العروبة..والسيوف البيض.. |
والخيل الضواري..والمآثر..والنّسب؟ |
أين الشعوب وأين العرب؟ |
البعض منهم قد شجب.. |
والبعض في خزي هرب |
وهنالك من خلع الثياب.. |
لكلّ جّواد وهب.. |
في ساحة الشيطان يسعى الناس أفواجا |
إلى مسرى الغنائم والذهب |
والناس تسال عن بقايا أمّة |
تدعى العرب! |
كانت تعيش من المحيط إلى الخليج |
ولم يعد في الكون شيء من مآثر أهلها.. |
ولكل مأساة سبب |
باعوا الخيول..وقايضوا الفرسان |
في سوق الخطب |
فليسقط التاريخ..ولتحيا الخطب!! |
أطفال بغداد يصرخون.. |
يأتي إلينا الموت في الّلعب الصغيرة |
في الحدائق ..في المطاعم..في الغبار |
تتساقط الجدران فوق مواكب التاريخ.. |
لا يبقى منها لنا ..جدار |
عار..على زمن الحضارة..أيّ عار |
من خلف آلاف الحدود.. |
يطلّ صاروخ لقيط الوجه.. |
لم يعرف له أبداً مدار |
ويصيح فينا: "أين أسلحة الدمار؟؟" |
هل بعد موت الضحكة العذراء فينا.. |
سوف يأتينا النهار |
الطائرات تسد عين الشمس.. |
والأحلام في دمنا انتحار |
فبأيّ حق تهدمون بيوتنا |
وبأي قانون..تدمر ألف مئذنة.. |
وتنفث سيل نار |
تمضي بنا الأيام في بغداد |
من جوع..إلى جوع....ومن ظمأ..إلى ظمأ |
وجه الكون جوع..أو حصار |
يا سيد البيت الكبير.. يا لعنة الزمن الحقير |
في وجهك الكذاب.. تخفي ألف وجه مستعار |
نحن البداية في الرواية.. ثم يرفع الستار |
هذي المهازل لن تكون نهاية المشوار |
هل صار تجويع الشعوب.. وسام عزّ وافتخار؟! |
هل صار قتل الناس في الصلوات.. ملهاة الكبار؟! |
هل صار قتل الأبرياء.. شعار مجد..وانتصار؟! |
أم أن حق الناس في أيامكم.. نهب..وذلّ ..وانكسار |
الموت يسكن كل شيء حولنا.. ويطارد الأطفال من دار..لدار |
ما زلت تسأل: "أين أسلحة الدمار.؟" |
أطفال بغداد الحزينة..في المدارس يلعبون |
كرة هنا..كرة هناك..طفل هنا..طفل هناك |
قلم هنا..قلم هناك..لغم هنا..موت..هلاك |
بين الشظايا..زهرة الصبار تبكي |
والصغار على الملاعب يسقطون |
بالأمس كانوا هنا.. |
كالحمائم في الفضاء يحلقون |
فجر أضاء الكون يوما.. لا استكان ولا غفا |
يا آل بيت محمد..كم حنّ قلبي للحسين..وكم هفا |
غابت شموس الحق .. والعدل اختفى |
مهما وفى الشرفاء في أيامنا.. زمن "النذالة" ما وفى |
مهما صفى العقلاء في أوطاننا.. بئر الخيانة ما صفى.. |
بغداد يا بلد الرشيد.. |
يا قلعة التاريخ ..والزمن المجيد |
بين ارتحال الليل و الصبح المجنح |
لحظتان .. موت و عيد |
مابين أشلاء الشهيد يهتز |
عرش الكون في صوت الوليد |
ما بين ليل قد رحل.. ينساب صبح بالأمل |
لا تجزعي بلد الرشيد.. لكلّ طاغية أجل |
طفل صغير..ذاب عشقا في العراق |
كراسة بيضاء يحضنها..وبعض الفلّ.. |
بعض الشعر والأوراق |
حصالة فيها قروش..من بقايا العيد.. |
دمع جامد يخفيه في الأحداق |
عن صورة الأب الذي قد غاب يوما..لم يعد.. |
وانساب مثل الضوء في الأعماق |
يتعانق الطفل الصغير مع التراب.. |
يطول بينهما العناق |
خيط من الدم الغزير يسيل من فمه.. |
يذوب الصوت في دمه المراق |
تخبو الملامح..كل شيء في الوجود |
يصيح في ألم : فراق |
والطفل يهمس في آسى: |
اشتاق يا بغداد تمرك في فمي.. |
من قال إن النفط أغلى من دمي |
بغداد لا .. لا تتألمي.. |
مهما تعالت صيحة البهتان في الزمن العَمي |
فهناك في الأفق يبدو سرب أحلام.. يعانق انجمي |
مهما توارى الحلم عن عينيك.. قومي..واحلمي |
ولتنثري في ماء دجلة أعظمي |
فالصبح سوف يطلّ يوما.. في مواكب مأتمي |
الله اكبر من جنون الموت .. والموت البغيض الظالمِ |
بغداد..لا تستسلمي.. بغداد ..لا تستسلمي |
من قال إن النفط أغلى من دمي؟! |